الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
أخِذ من سُنّة الوجه وهو صورته.وقال ذو الرمة:
وقال الأخفش: المسنون المنصوب القائم؛ من قولهم: وجه مسنون إذا كان فيه طول.وقد قيل: إن الصَّلصال التراب المدقق؛ حكاه المهدويّ.ومن قال: إن الصلصال هو المنتن فأصله صلاّل، فأبدل من إحدى اللامين الصاد.و{مِنْ حَمَإٍ} مفسر لجنس الصلصال؛ كقولك: أخذت هذا من رجل من العرب.قوله تعالى: {والجآن خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ} أي من قبل خلق آدم.وقال الحسن: يعني إبليس، خلقه الله تعالى قبل آدم عليه السلام.وسُمِّيَ جانا لتواريه عن الأعين.وفي صحيح مسلم من حديث ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لما صوّر الله تعالى آدم عليه السلام في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه فجعل إبليس يُطيف به وينظر ما هو فلما رآه أجوف عرف أنه خُلِقَ خلقًا لا يتمالك» {مِن نَّارِ السموم} قال ابن مسعود: نار السموم التي خلق الله منها الجان جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم.وقال ابن عباس: السموم الريح الحارة التي تقتل.وعنه: أنها نار لا دخان لها، والصواعق تكون منها، وهي نار تكون بين السماء والحجاب.فإذا أحدث الله أمرًا اخترقت الحجاب فهوت الصاعقة إلى ما أمِرت.فالهَدّة التي تسمعون خرق ذلك الحجاب.وقال الحسن: نار السموم نار دونها حجاب، والذي تسمعون من انغطاط السحاب صوتها.وعن ابن عباس أيضًا قال: كان إبليس من حيّ من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم من بين الملائكة قال: وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار.قلت: هذا فيه نظر؛ فإنه يحتاج إلى سند يقطع العذر؛ إذ مثله لا يقال من جهة الرأي.وقد خرّج مسلم من حديث عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خُلقت الملائكة من نور وخُلق الجان من مارِج من نار وخلق آدم مما وُصف لكم» فقوله: «خلقت الملائكة من نور» يقتضي العموم.والله أعلم.وقال الجوهريّ: مارج من نار نارٌ لا دخان لها خلق منها الجان، والسموم الريح الحارة تؤنث؛ يقال منه: سمّ يومُنا فهو يوم مسموم، والجمع سمائم.قال أبو عبيدة: السَّمُوم بالنهار وقد تكون بالليل، والحَرُور بالليل وقد تكون بالنهار.القشيريّ: وسُمِّيت الريح الحارة سمومًا لدخولهابلطفها في مَسامّ البدن.قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ} تقدم في البقرة.{إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ} من طين {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} أي سوّيت خلقه وصورته.{وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} النفخ إجراء الريح في الشيء.والرُّوح جسم لطيف، أجرى الله العادة بأن يخلق الحياة في البدن مع ذلك الجسم.وحقيقته إضافة خلق إلى خالق؛ فالروح خلق من خلقه أضافه إلى نفسه تشريفًا وتكريمًا؛ كقوله: أرضي وسمائي وبيتي وناقة الله وشهر الله.ومثله {وَرُوحٌ مِّنْهُ} [النساء: 171]، وقد تقدّم في النساء مبيّنًا.وذكرنا في كتاب {التذكرة} الأحاديث الواردة التي تدل على أن الروح جسم لطيف، وأن النفس والروح اسمان لمسمًّى واحد.وسيأتي ذلك إن شاء الله.ومن قال إن الروح هو الحياة قال أراد: فإذا ركّبت فيه الحياة.{فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} أي خرّوا له ساجدين.وهو سجود تحية وتكريم لا سجود عبادة.ولِلَّه أن يفضل من يريد؛ ففضل الأنبياء على الملائكة.وقد تقدم في البقرة هذا المعنى.وقال القَفَّال: كانوا أفضل من آدم، وامتحنهم {الله} بالسجود له تعريضًا لهم للثواب الجزيل.وهو مذهب المعتزلة.وقيل: أمروا بالسجود لِلَّه عند آدم، وكان آدم قِبلة لهم.قوله تعالى: {فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ}فيه مسألتان:الأولى: لا شك أن إبليس كان مأمورًا بالسجود؛ لقوله: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12]، وإنما منعه من ذلك الاستكبارُ والاستعظام؛ كما تقدّم في البقرة بيانه.ثم قيل: كان من الملائكة؛ فهو استثناء من الجنس.وقال قوم: لم يكن من الملائكة؛ فهو استثناء منقطع.وقد مضى في البقرة هذا كلّه مستوفًى.وقال ابن عباس: الجان أبو الجن وليسوا شياطين.والشياطين ولد إبليس، لا يموتون إلا مع إبليس.والجن يموتون، ومنهم المؤمن ومنهم الكافر.فآدم أبو الإنس. والجان أبو الجن.وإبليس أبو الشياطين؛ ذكره الماورديّ.والذي تقدّم في البقرة خلاف هذا، فتأمله هناك.الثانية: الاستثناء من الجنس غير الجنس صحيح عند الشافعيّ، حتى لو قال: لفلان عليّ دينار إلا ثوبًا، أو عشرة أثواب إلا قفيز حنطة، وما جانس ذلك كان مقبولًا، ويسقط عنه من المبلغ قيمة الثوب والحنطة.ويستوي في ذلك المكيلات والموزونات والمقدّرات.وقال مالك وأبو حنيفة رضي الله عنهما: استثناء المكيل من الموزون والموزون من المكيل جائز، حتى لو استثنى الدراهم من الحنطة والحنطة من الدراهم قُبل.فأما إذا استثنى المقوّمات من المكيلات أو الموزونات، والمكيلات من المقوّمات، مثل أن يقول: عليّ عشرة دنانير إلا ثويًا، أو عشرة أثواب إلا دينارًا لا يصح الاستثناء، ويلزم المقرّ جميع المبلغ.وقال محمد بن الحسن: الاستثناء من غير الجنس لا يصح، ويلزم المقرّ جملة ما أقرّ به.والدليل لقول الشافعيّ أن لفظ الاستثناء يستعمل في الجنس وغير الجنس؛ قال الله تعالى: {لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ تَأْثِيمًا إِلاَّ قِيلًا سَلاَمًا سَلاَمًا} [الواقعة: 25-26]. فاستثنى السلام من جملة اللَّغو. ومثله {فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إِبليس} وإبليس ليس من جملة الملائكة؛ قال الله تعالى: {إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50].وقال الشاعر: فاستثنى اليعافير وهي ذكور الظباء، والعِيس وهي الجمال البيض من الأنيس؛ ومثله قول النابغة.قوله تعالى: {قَالَ يا إبليس مَا لَكَ} أي ما المانع لك.{أَلاَّ تَكُونَ مَعَ الساجدين} أي في ألا تكون.{قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} بيّن تكبّره وحسده، وأنه خير منه، إذ هو من نار والنار تأكل الطين؛ كما تقدّم في الأعراف بيانه.{قَالَ فاخرج مِنْهَا} أي من السموات، أو من جنة عدن، أو من جملة الملائكة.{فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} أي مرجوم بالشهب.وقيل: ملعون مشؤوم. وقد تقدّم هذا كلّه مستوفًى في البقرة والأعراف.{وَإِنَّ عَلَيْكَ اللعنة} أي لعنتي؛ كما في سورة ص. اهـ. .قال الخازن: قوله سبحانه وتعالى: {ولقد خلقنا الإنسان} يعني آدم عليه السلام في قول جميع المفسرين سمي إنسانًا لظهوره وإدراك البصر إياه، وقيل من النسيان لأنه عهد إليه فنسي من {صلصال} يعني من اليابس، إذا نقرته سمعت له صلصلة يعني صوتًا، وقال ابن عباس: هو الطين الحر الطيب الذي إذا نضب عنه الماء تشقق فإذا حرك تقعقع.وقال مجاهد: هو الطين المنتن.واختاره الكسائي وقال: هو من صل اللحم إذا أنتن {من حمأ} يعني من الطين الأسود {مسنون} أي متغير قال مجاهد وقتادة: هو المنتن المتغير.وقال أبو عبيدة: هو المصبوب.تقول العرب: سننت الماء إذا أصببنه قال ابن عباس: هو التراب المبتل المنتن جعل صلصالًا كالفخار، والجمع بين هذه الأقاويل على ما ذكره بعضهم أن الله سبحانه وتعالى لما أراد خلق آدم عليه السلام، قبض قبضة من تراب الأرض فبلها بالماء حتى اسودت وأنتن ريحها، وتغيرت وإليه الإشارة: بقوله: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب} ثم إن ذلك التراب بله بالماء وخمره حتى اسودت، وأنتن ريحه وتغير وإليه الإشارة بقوله: من حمأ مسنون ثم ذلك الطين الأسود المتغير صوره صورة إنسان أجوف، فلما جف ويبس كانت تدخل فيه الريح فتسمع له صلصلة يعني صوتًا، وإليه الإشارة بقوله من صلصال كالفخار وهو الطين اليابس، إذا تفخّر في الشمس ثم نفخ فيه الريح فكان بشرًا سويًا قوله تعالى: {والجان خلقناه من قبل} يعني من قبل آدم عليه السلام.قال ابن عباس: الجان أبو الجن كما أن آدم أبو البشر.وقال قتادة: هو إبليس.وقيل: الجان أبو الجن وإبليس أبو الشياطين، وفي الجن مسلمون وكافرون يأكلون ويشربون ويحيون ويموتون كبني آدم.وأما الشياطين فليس فيهم مسلمون ولا يموتون إلا إذا مات إبليس.وقال وهب: إن من الجن من يولد له ويأكلون ويشربون بمنزلة الآدميين، ومن الجن من هو بمنزلة الريح لا يتوالدون، ولا يأكلون ولا يشربون وهم الشياطين والأصح أن الشياطين نوع من الجن لاشتراكهم في الاستتار سموا جنًا لتواريهم واستتارهم عن الأعين من قولهم: جن الليل إذا ستر والشيطان هو العاتي المتمرد الكافر، والجن منهم المؤمن ومنهم الكافر {من نار السموم} يعني من ريح حارة تدخل مسام الإنسان من لطفها، وقوة حرارتها فتقتله.ويقال للريح الحارة التي تكون بالنهار: السموم.وللريح الحارة التي تكمون بالليل: الحرور، وقال أبو صالح: السموم نار لا دخال لها والصواعق تكون منها، وهي نار بين السماء والحجاب، فإذا حدث أمر خرقت الحجاب فهوت إلى ما أمرت به فالهدة التي تسمعون من خرق ذلك الحجاب وهذا على قول أصحاب الهيئة أن الكرة الرابعة تسمى كرة النار، وقيل: من نار السموم يعني من نار جهنم.وقال ابن مسعود: هذه السموم جزء من سبعين جزء من السموم التي خلق منها الجان، وتلا هذه الآية.وقال ابن عباس: كان ابليس من حي من الملائكة يسمون الجان خلقوا من نار السموم، وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار، وخلقت الملائكة من النور.قوله: {وإذ قال ربك للملائكة} أي واذكر يا محمد: إذ قال ربك للملائكة {إني خالق بشرًا} سمي الآدمي بشرًا، لأنه جسم كثيف ظاهر البشرة ظاهر الجلد {من صلصال من حمأ مسنون} تقدم تفسيره {فإذا سويته} يعني عدلت صورته، وأتممت خلقه {ونفخت له من روحي} النفخ عبارة عن إجراء الريح في تجاويف جسم آخر، ومنه نفخ الرح في النشأة الأولى، وهو المراد من قوله: ونفخت فيه من روحي وأضاف الله روح آدم إلى نفسه على سبيل التشريف والتكريم لها كما يقال بيت الله وناقة الله وعبد الله وسيأتي الكلام على الروح في تفسير سورة الإسراء عند قوله: {ويسألونك عن الروح} إن شاء الله تعالى: {فقعوا له ساجدين} إلخ. طاب للملائكة، الذي قال الله لهم: إني خالق بشرًا أمرهم بالسجود لآدم بقوله فقعوا له ساجدين.وكان هذا السجود تحية لا سجود عبادة {فسجد الملائكة كلهم} يعني الذين أمروا بالسجود لآدم {أجمعون} قال سيبويه: هذا توكيد بعد توكيد، وسئل المبرد عن هذه الآية فقال: لو قال فسجد الملائكة لاحتمل أن يكون سجد بعضهم فلما قال كلهم لزم إزالة ذلك الاحتمال فظهر بهذا أنهم سجدوا بأسرهم ثم عند هذا بقي احتمال آخر، وهو أنهم سجدوا في أوقات متفرقة، أو في دعة واحدة فلما قال: أجمعون ظهر أن الكل سجدوا دفعة واحدة، ولما حكى الزجاج هذا القول عن المبرد قال: قول الخليل وسيبويه أجود لأن أجمعين معرفة فلا تكون حالًا.روي عن ابن عباس أن الله سبحانه وتعالى أمر جماعة من الملائكة، بالسجود لآدم فلم يفعلوا فأرسل الله عليهم نارًا فأحرقتهم.ثم قال لجماعة أخرى: اسجدوا لآدم فسجدوا.{إلا إبليس أبى أن يكون من الساجدين} يعني مع الملائكة الذين أمروا بالسجود لآدم فسجدوا {قال} يعني قال الله {يا أبليس مالك ألا تكون مع الساجدين قال} يعني إبليس {لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون} أراد إبليس أنه أفضل من آدم لأن آدم طيني الأصل وإبليس ناري الأصل.والنار أفضل من الطين فيكون إبليس في قياسه أفضل من آدم، ولم يدرِ الخبيث أن الفضل فيما فضله الله تعالى: {قال فاخرج منها} يعني من الجنة وقيل من السماء {فإنك رجيم} أي طريد {وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين} قيل: إن أهل السموات يلعنون إبليس كما يلعنه أهل الأرض، فهو ملعون في السموات والأرض فإن قلت: إن حرف إلى لانتهاء الغاية فهل ينقطع اللعن عنه يوم الدين الذي هو يوم القيامة؟ قلت: لا بل يزداد عذابًا إلى اللعنة التي عليه كأنه قال تعالى، وإن عليك اللعنة فقط إلى يوم الدين.ثم تزداد معها بعد ذلك عذابًا دائمًا مستمرًا لا انقطاع له. اهـ..قال أبو حيان: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26)} لما نبه تعالى على منتهى الخلق وهو الحشر يوم القيامة إلى ما يستقرون فيه، نبههم على مبدأ أصلهم آدم، وما جرى لعدوه إبليس من المحاورة مع الله تعالى.وتقدم شيء من هذه القصة في أوائل البقرة عقب ذكر الأماتة والإحياء والرجوع إليه تعالى.وفي الأعراف بعد ذكر يوم القيامة، وذكر الموازين فيه.وفي الكهف بعد ذكر الحشر، وكذا في سورة ص بعد ذكر ما أعد من الجنة والنار لخلقه.فحيث ذكر منتهى هذا الخلق ذكر مبدأهم وقصته مع عدوه إبليس ليحذرهم من كيده، ولينظروا ما جرى له معه حتى أخرجه من الجنة مقر السعادة والراحة، إلى الأرض مقر التكليف والتعب، فيتحرزوا من كيده، ومن حمإ قال الحوفي بدل من صلصال، بإعادة الجار.وقال أبو البقاء: من حمإ في موضع جر صفة لصلصال.وقال ابن عباس: المسنون الطين ومعناه المصبوب، لأنه لا يكون مصبوبًا إلا وهو رطب، فكنى عن المصبوب بوصفه، لأنه موضوع له.وقال مجاهد وقتادة ومعمر: المنتن.قال الزمخشري: من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به، فالذي يسيل بينهما سنين ولا يكون إلا منتنًا.
|